ما كان حديثا يفترى، ولافتونا يتردد، ذلك الحزيث الذي روى به التاريخ أنباء أعظم ثلة ظهرت في دنيا العقيد والايمان...!
ذلك أن التاريخ الإنساني بطوله وبعرضه، لم يشهد من التوثيق والصدق وتحري الحقيقة ماشهدته تلث الحقبة من تاريخ الإسلام ورجاله السابقين، حيث توفر على دراستها وتتبع أنبائها جهد بشري خارق، نهضت به أجيال متساوقة من علماء أفذاذ لم يدعوا من ذلك العصر الأول للإسلام همسة، ولا خلجة إلا وضعوها تحت مجاهر الفحص، وأضواء الدراسة والنقد.فالعظمة الباهرة لأولئك الرجال الشاهقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست أساطير، وإن بدت من فرط إعجازها كالأساطير !!
إنها حقائق تشكل كل ما كان لأصحاب الرسول من شخصية وحياة.. ،وإنها لتسمو وتتألق، لابقدر مايريد لها الكتاب والواصون، بل قدر مأراد لها أصحابها وذووها، وبقدر. مابذلوا في سبيل التفوق والكمال من جهد خارق مبرور.
ألا إن التاريخ لم يشهد رجالا عقدوا عزمهم ونواياهم على غاية تناهت في العدالة والسمو، ثم نذروا لها حياتهم على نسق تناهى في الجسارة والتضحية والبذل كما شهد في اولئك الرجل حول الرسول ..
لقد جاؤوا الحياو في أوانهم المرتقب، ويومهم الموعود.. فحين كانت الحياو تهيب بمن يجدد لقيمها. الروحياة شبابها وصوابها، جاء هؤلاء مع رسولهم الكريم مبشرين وناسكين ..وحين كانت تهيب بمن يضع عن البشرية الرازحة أغلالها، ويحرر وجودها ومصيرها، جاء هؤلاء وراء رسولهم العظيم ثوارا ومحررين.. وحين كانت تهيب بمن يستشرف للحضارة الإنسانية مطالع جديدة ورشيدة، جاء هؤلاء ومستشرفين.. كيف أنجز اولئك الأبرار كل هذا في بضع سنين.. ؟ كيف شادوا بقرآن وكلماته عالما جديدا يهتزا نضره، ويتألق عظمة، ويتفوق اقدارا.. ؟
وقبل خطا كله، وفوق هذا كله.. كيف استطاعوا في مثل سرعة الضوء أن يضيئوا الضمير الإنساني بحقيقة التوحيد، ويكنسوا منه إلى الأبد وثنية القرون.. ؟
تلك هي معجزتهم الحق.. وأيضا فإن معجزتهم الحق تتمثيل في تلك القدرة النفسية الهائلة التي صاغوا بها فضائلهم، واعتصموا بإيمانهم على نحو يجل عن النظير .. على أن كل معجزاتهم التي حققوها لم تكن سوى انعكاس متوضع للمعجزة الكبرى التي أهلت على الدنيا يوم أذن الله لقرآنه الكريم أن يتنزل، ولرسوله الأمين أن يبلغ، ولموكب الإسلام أن يبدأ على طريق النور خطاه ..أجل، أن فأي معلم كان .. وأي إنسان .. هذا المترع عظمة ، وأمانة وسموا ..؟ ألا إن الذين بهرتهم عظمته لمعذورون ..وإن الذين افتدوه بأرواحهم لهم الرابحون ..!
ابن عبدالله محمد .. رسول الله الى الناس في قيظ الحياة. أي سر توافر له فجعل منه إنسانا يشرف بني الإنسان؟ وباية يدى طولى، بسطها شطر السماء، فاذا كل أبواب رحمتها ونعمتها وهداها مفتوحة على الرحاب ..؟
لقد آتاه الله من أنعمه بالقدر الذي يجعله أهلا لحمل رايته، والتحدث باسمه، بل ويجعله أهلا لأن يكون خاتم رسله.. ومن ثم، كان الله عليه عظيما.
ومهما تتبار القرائح والأفهام والأقلام متحدثة عنه، عازفة انا شيد عظمته، فستظل جمعيا كأن لم تبرح مكانها، ولم تحرك بالقول لسانها. وحسبنا -إذن- أن نبصر في ضوء شعاع من ضيائه الغامر بعض سمات عظمته النادرة التي نادت إليه ولاء المؤمنين، وجعلتهم يرون فيه الهدف والطريق.. والمعلم والصديق..
مالذي جعل بعض سادة قومه يسارعون الى كلماته ودينه.. متخلين بهذه المسارعة المؤمنة عن كل ما كان يحيطهم به قومهم من مجد وجاه مستقبلين -في الوقت نفسه- حياة تمور مورا شديدا بالأعباء، وبالصعاب، وبالصراع.؟
مالذي جعز بعض ضعفاء قومه يلوذون بحماه، ويهرعون الى رايته ودعوته، وهم يبصرونه أعزل من المال ومن السلاح..؟ ينزل به الأذى، ويطارده الشر في تحد رهيب دون أن يملك عليه الصلاو والسلام له دفعا.. !
مالذي جعل المؤمنين به يزيدون ولاينقصون، وهو الذي يهتف فيهم صباح مساء:(لاأملك لكم نفعا، ولاضرا.. ولا أدري مايفعل بي ولا بكم)؟
مالذي جعلهم يصدقون أن الدنيا ستفتح عليهم أقطارها، وأن أقدامهم ستخوض خوضا في ذهاب العالم وتيجانه.. وأن هذا القرآن الذي يتلونه في استخفاء،ستردده الآفاق عالي الصدح قوي الرنين، لافي جيلهم فحسب، ولا في جزيرتهم فحسب.. بل عبر جميع الزمان وجميع المكان؟!
مالذي ملأ قلوبهم يقينا وعزما.. ؟ انه ابن عبدالله محمد صلى الله عليه وسلم.. ومن لكل هذا سواه؟لقد رأوا سموه وحنانه.. رأوا كل هذا، وأضعاف هذا، لا من وراء قناع، بل مواجهة وتمرسا، وبصرآ وبصيرة..
هؤلاء راوأ (محمد) وعاصروه منذ أهل على الوجود وليدا، لم تخف عليهم من حياته خافية؛ فقد كانت حياته واضحة مقروءة من المهد الى الممات.
هذا- فيما نحسب -كان منطلق المؤمنين الأوائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين منهم، والذين آووا ونصروا.. ولقد كان منطلقا حاسما وسريعا، ليس للتردد ولا للتلكؤ معه سبيل. فإنسان له كل هذه الحياة المضيئة الطاهرة، لايمكن أن يكذب على الله.
بهذه البصيرة النافذة، رأى أولئك المؤمنون نور الله فاتبعوه.. ولسوف يحمدون بصيرتهم
هذه عندما يرون- فيما بعد- رسول الله ينصره ربه، وتدين له الجزيرة كلها،ويفتح عليهم من أبواب الرزق والغنائم مالم يكونوا يحتسبون.. فإذا هو لايزداد إلا زهدا، وتقشفا، وورعا، حتى يلقى ربه حين يلقاه، وهو نائم فوق حصير تترك أعواده في الجسد انطباعاتها الضاعطة.. !
وحين يرونه- وهو الرسول الذي تملأ راياته الأفص عزيزة ظافرة- يصعدالمنبر، ويستقبل الناس باكيا وهو يقول (من كنت جلدت له ظهرا، فهذا ظهري فليقتد منه..ومة كنت أخذت له مالا، فهذا مالي فليأخذ منه)
وحين يرونه، وعمه العباس
يسأله أن يوليه عملا من تلك الأعمال التي ظفر بها كثير من المسلمين العاديين، فيصرفه في رفق قائلا له:(انا -والله ياعم- لانولي هذا الأمر أحدا يسأله، أو أحدا يحرص عليه)..! وحين يرونه لايشارك الناس ماينزل بهم من من خصاصة فحسب، بل يضع لنفسه ولأهل بيته مبدأ لايحيدون عنه، وهو (أن يكونوا أول من يجوع إذا جاع الناس، وآخر من يشبع إذا شبع الناس). أجل، سيزداد المؤمنون الأوائل حمدا لبصيرتهم التي أحسنت رؤية الأمور في إقبالها، بعد أن يزدادوا حمدا وشكرا لله الذي هداهم للإيمان.
وسيرون أن الحياة التي كانت خير برهان على صدق صاحبها حين قال لهم :(إني رسول الله إليكم) كانت عظيمة حقا، وكانت بعظمتها ةطهرها خير برهان على صدق المعلم العظيم والرسول الكريم، فإن مستواها من العظمة والتفوق لم يهبط لحظة، ولم بتعثر، وبل ظل كما هو من المهد إلى الممات.
وعبر هذه الحياه ، وبعد بلوغها قمتها، تبين كضوء النهار أن صاحب هذا الحياة وهذه الرسالة، لم يكن يسعى الى جاه، ولامال، ولاسيادة. فحين جاءته كل هذه معقودة بألوتيه الظافرة رفضها جميعا.. وعاش حياته العظمى قيد شعرة.. ولم يخلف موعده مع الله في عبادة ولافي جهاد.. فلا يكاد النصف الأخير من ااايل يبدأ حتى ينهض قائما، فيتوضأ، ويظل كما اعتاد أبدا يناجي ربه ويبكي.. ويصلي ويبكي.
تراكمات الأموال بين يديه تلالا، فلم يتغير، ولم منها إلا مثلما يأخذ أقل المسلمين شأنا وأكثر ملوك الأرض أمام رسائله التي دعاهم بها الى الإسلام وجلين ضارعين فما استطاعت ذرة من زهو وكبر، أن تمر به ولو على بعد فراسخ.. !
وحين رأى بعض القادمين عليه يهابونه في اضطراب ووجل قال لهم :(هونوا عليكم، إن امي كانت تأكل القديد بمكة)..!! القى كل أعداء دينه السلاح، ومدوا إليه أعناقهم ليحكم فيها بما يرى، بينما عشرة الآف سيف تتوهج يوم الفتح فوق ربى مكة في أيدي المسلمين فلم يزد على أن قال لهم:(اذهبوا، فانتم الطلقاء)..!
حتى حقه في رؤية النصر الذي أفنى في سبيل حياته، حرم نفسه منه؛ فقد سار في موكب نصره يوم الفتح، حانيا رأسه حتى تعذر على الناس رؤية وجهه، مرددا بينه وبين نفسه ابتهالات الشكر المبللة بدمعة.. رافعا إياها في حياء، الى ربه العلي الكبير.. إن ثباته على الحق، وصموده مع الرسالة، وصبره على الهول في سبيل الله، لافي سبيل نفسه أو نفعه.. كل ذلك كان حريا أن يبهر العقول الذكية... ويوقظ العقول الحية، فتتبع النور الذي يناديها، وتسارع إلى الأمين الصادق الذي جاء يطهرها، ويهديها.
هذا هو معلم البشر، وخاتم الأنبياء.
هذا هو النور الذي رآه الناس وهو يحيا بينهم بشرا.. ثم رآه العالم بعد رحيله عن الدنيا، وحقيقة وذكرآ..
تعليقات
إرسال تعليق