قصدت الحج في بعض الأعوام، وكانت تجارتي عظيمة، وأموالي كثيرة، وكان في وسطي هميان، فيه دنانير وجواهر قيمة، وكان الهميان من دیباج أسود.
فلما كنت ببعض الطريق نزلت لأقضي بعض شأني، فانح الهميان من وسطي وسقط، ولم أعلم بذلك إلا بعد أن سرت عن الموضع فراسخ، ولكن ذلك لم يكن يؤثر في قلبي لما كنت أحتويه من غنی، واستخلفت ذلك المال عند الله إذ كنت في طريقي إليه تعالی ولما قضيت حجتي وعدت تتابعت المحن علي حتى لم أعد أملك شيئا ! فهربت على وجهي من بلدي.
ولما كان بعد سنين من فقري أفضيت إلى مكان و زوجي معي، وما أملك في تلك الليلة إلا دانق ونصف دانق، وكانت الليلة ممطرة، فأويت في بعض القرى إلى خان خراب، فجاء زوجي المخاض، فتحيرت، ثم ولدت فقالت : يا هذا، الساعة تخرج روحي، فاتخذ لي شيئا أتقوى به.
فخرجت أخبط في الظلمة والمطر حتى جئت إلى بدال، فوقفت عليه، فكلمني بعد جهد، فشرحت له حالي، فرحمني. وأعطاني بتلك القطع حلبة وزيتا وأغلاهما، وأعارني إناء جعلت ذلك فيه، وجئت أريد الموضع، فلما مشيت بعيدا وقربت من الحان زلقت رجلي، وانكسر الإناء، وذهب جميع ما فيه فورد على قلبي أمر عظيم ما ورد على مثله قط ! فأقبلت أبكي وأصيح.
وإذا برجل قد أخرج رأسه من شباك في داره، وقال : ويلك إمالك تبكي ؟ ماتدعنا ننام ! فشرحت له القصة، فقال لي : يا هذا، البكاء كله بسبب دانق ونصف قال : فداخلي من الغم أعظم من الغم الأول، فقلت : يا هذا، والله ما عندي شيء لما ذهب مني، ولكن بكائي رحمة لزوجي ولنفسي، فإن امرأتي أن تموت الآن جوعا، ووالله لقد حججت في سنة كذا وكذا، وأنا أملك من المال شيئا كثيرا، فذهب مني هميان فيه دنانير وجواهر تساوي ثلاثة آلاف دينار، فما فكرت فيه، وأنت تراني الآن أبكي بسبب دانق ونصف، فاسأل الله السلامة، ولا تعايرني فتبلی بمثل بلواي.
فقال لي : بالله يارجل، ما كانت صفة هميانك ؟ فأقبلت أبكي، وقلت : ما ينفعني ما خاطبتني به.
أوما تراه من جهدي وقيامي في المطر حتى تستهزيء بي أيضا ؟وما ينفعك وينفعني من صفة همياني الذي ضاع مني من كذا وكذا ؟ قال : ومشيت.
فإذا الرجل قد خرج وهو يصيح بي : ځذ يا هذا، فظننته يتصدق علي، فجئت وقلت له : أي شيء تريد ؟ فقال لي : صف همیائك، وقبض علي، فلم أجد للخلاص سبيلا غير وصفه له، فوصفته فقال لي : ادخل، فدخلت، فقال : أين امرأتك؟ قلت : في الخان، فأنفذ غلمانه، فجاؤوا بها، وأدخلت إلى حرمه، فأصلحوا شأنها وأطعموها كل ما تحتاج إليه، وجاؤوني بجبة وقميص وعمامة وسراويل، وأدخلت الحمام سحرا، وطرح ذلك علي، وأصبحت في عيشة راضية.
وقال : أقم عندي أيام، فأقمت عشرة أيام كان يعطيني في كل يوم عشرة دنانير، وأنا متحير في عظم بره بعد شدة جفائه فلما كان بعد ذلك قال لي : فيم تتصرف ؟ قلت : كنت تاجرا، قال : قلي غلات وأنا أعطيك رأس مال تتجر فيه وتشر کني.
فقلت : أفعل، فأخرج لي دینار، فقال : خذها واجر فيها ها هنا، فقلت : هذا معاش قد أغناني به ويجب أن ألزمة، فلزمته.
فلما كان بعد شهور ربحت، فجئته وأخذت حقي، وأعطيته حقه، فقال : اجلس، فجلست، فأخرج لي همياني بعينه وقال : أتعرف هذا ؟ فحين رأيته شهقت وأغمي علي، فما أفقت إلا بعد ساعة، ثم قلت له : يا هذا، أملك أنت أم نبي؟ فقال : أنا أحفظه من كذا وكذا سنة، فلما سمعتك تلك الليلة تقول ما قلته، وطالبتك بالعلامة فأعطيتها أردت أن أعطيك للوقت همیائك، فخفت أن يغشى عليك، فأعطيتك تلك الدنانير التي أوهمتك أنها هبة، وإنما أعطيتك إياها من هميانك، فخذ هميائك واجعلني في حل منه.
فشكرته ودعوت له وأخذت الهميان ورجعت إلى بلدي، فبعت الجوهر، وضممت ثمنه إلى ما معي، وائجرت، فما مضت إلا سنيات حتى صرت صاحب عشرة آلاف دينار، وصحت حالي.
تعليقات
إرسال تعليق