عندما تذکر ناطحات السحاب تشير سبابة التاريخ القديم إلى مدينة ( شبام) حضرموت التاريخية ، مدينة السحر والجمال ، مدينة العلم والخيال مهد التجارة ، كنز من كنوز وادي حضرموت ، يفتخر بها كل يمني ، ويعت بما وصل إليه تفكير أجداده و مهارتهم في إثراء فن المعمار اليمني . فما أروع ماشادت أياديهم ! وما أبدع مانقشت أناملهم ! تقع ( شبام ) في محافظة حضرموت ، إلى الغرب من مدينة ( سيئون ) على بعد ( ۱۹ کم ) في منتصف وادي حضرموت بدأ ظهور اسم ( شبام حضرموت في حقبة ماقبل الإسلام ، حيث ورد ذكرها في مجموعة من النقوش اليمنية القديمة ، منها نقش يعود إلى عهد (الملك ذمار علي يهبر ) ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات ، الذي حكم في مطلع القرن الرابع الميلادي . ويذكر النقش أن قوات هذا الملك حاصرت مدن حضرموت ، وفي مقدمتها مدينة ( شبام ) . وعملية حصار المدينة تدل على أنها كانت ذات نظام دفاعي قوي ، يعكس مهارة سكانها في تصميم أنظمة دفاعية فعالة ، منها الأسوار المرتفعة المنيعة ، والأبراج الدفاعية ، وغيرها . وبعد الإسلام أصبحت ( شبام ) مدينة عامرة ، أرسل إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد عماله . وهو ( زياد بن لبيد الأنصاري ) ، وقد ظل والية عليها إلى عهد خليفة المسلمين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وقد تعرضت المدينه للهدم والتخريب بفعل الحروب والسيول ، وأقيمت في القرن الرابع الهجري على تل مرتفع من الوادي . ويذكر الهمداني وغيره من المؤرخين أنها مدينة كبيرة ، بها ثلاثون مسجد ولها بوابة ضخمة تمثل مدخل المدينة ، وأسوارها حصينة ذات أبراج عدة وكان موقع ( شبام ) الجغرافي قد جعلها ملتقى للقوافل التجارية من الشرق والغرب ، ويذكر أنها كانت محفوفة بأشجار النخيل وأنواع الثمار ، وفيها عيون و آبار عذبة ، وسد و تحجز مياه الأمطار . وفي حكم السلطان ( عمر بن مهدي ) جدد أسوارها العتيقة ، وشيد حولها حصتها المعروف بالحصن النجدي عام ( 618 ه ) ، وهو قصر عظيم متعدد الطبقات . وشكل المدينة الحالي وأسوارها وحصونها هو ما تبقى من تجديد ( ابن مهدي ) في بداية القرن السابع الهجري ، مع ما أدخله بعض تجديدات أثناء حكمهم للمدينة ، فأنشئت بعض الأبراج في أجزاء من السور الذي كان محكمة من جميع الجهات ، حيث أتاح لها موقعها الذي اختير لبناء أقدم ناطحات سحاب في العالم مرکز دفاعيا لمدينة حصينة وقد لمع نجم المدينة عندما تفتقت عبقرية البناء اليمني ذلك الشكل و و و خندقا و بنی السلاطين من عن الهندسي الجميل لبيوت المدينة العالية ، ففي العقد الثاني من القرن العاشر الهجري ، ساد الاستقرار النسبي وادي حضرموت تحت حكم السلطان ( بدر أبو طويرق الكثيري ) ، وانتقلت القبائل المجاورة إلي المدن الحضرمية ، فكان لمدينة شبام النصيب الأكبر من هؤلاء النازحين ، وهنا بدأت تضيق بأهلها لمحدودية مساحتها ، ولأن البناء خارج الأسوار مهدد بالسيول ، ومعرض للغارات ، لم يكن أمام البنائين إلا التطلع إلى أعلى ، حيث وجدوا الفضاء فوقهم خير مجال ، فأقاموا تلك الأبنية الشامخة المبنية من اللبن - بشكل مثير للإعجاب - مسافة ثلاثين إلى أربعين مترا ، ويتراوح عدد أدوارها بين خمسة وستة عشر طابقا ، وسمك جدران الدور الأرضي بين متر ونصف ومترين ، يتناقص هذا السمك كلما ارتفع البناء . كما أن معظم جدر البيوت مطلية بالطين ، إلا أن المنطقة العليا تطلى بطبقة من الجير كتاج أبيض جميل يزين أعالي المنازل . وقلادة أخرى من النورة والنقوش تزین واجهات جميع المنازل المترابطة . وهناك الأعمدة المستقيمة في المنازل تحمل الأسقف وتعين على تماسك المباني ذات النوافذ الجميلة والأبواب الفريدة ، وكلها مزخرفة بنقوش غاية في الإتقان . وترتفع المنازل إلى أعلى شاهقة نحو السماء في أطوال متوازية ، وزوايا متناسقة كلها من الطين والخشب ، لاتتأثر بعواصف أو أمطار ، مصقول أعلاها متقن ويبلغ عدد هذه المنازل خمسمائة منزل ، متعاضدة بعضها ببعض ، تتخللها الأزقة ، ويتوسطها المسجد الجامع بمئذنته العالية هي ( شبام حضرموت) ، تحفة فنية رائعة ، وهكذا كل المدن اليمنية ما إن تدخلها حتى تشعر بانتقال روحي إلى منابع الحياة ومیلاد الحضارة . فاليمن مخزن حضاري تاريخي هائل ، وأرض تتشكل ببكارة الطبيعة الأولى ، ونقاء البيئة ، وأصالة التقاليد أسفلها.
تعليقات
إرسال تعليق